دور الأم أساسي في تربية الطفل الأم هي المدرسة الأولى في حياة الطفل، لذا كرمها الله سبحانه وتعالى وجعل منزلتها وبرها أعلى وأسمى من جميع الارتباطات الاجتماعية الأخرى لما لها من دور عظيم في إعداد وتنشئة أجيال المستقبل، وتسعد الأم عندما يحين وقت استقبال وليدها وقد أصبح متكاملا للخروج إلى الحياة، وعلى عاتق الأم تقع أكبر المسؤوليات في إعداد الطفل وتوجيهه فنجد الطفل منذ ولادته ملتصقا بها، وهي بحكم عاطفة الأمومة تمنحه مشاعر الدفء والحنان، وقد تمر من خلال مراحل التربية بالعديد من المواقف التي تجتاز بعضها بنجاح، بينما يتعثر بعضها الآخر فتواجه الكثير من المصاعب. ويشعر الطفل بأمه منذ اللحظات الأولى لميلاده، حيث يشم رائحتها ويتعرف عليها، ولابد أن تعلم كل أم أن جميع الخبرات التي يتعرض لها طفلها خلال الأشهر الأولى من عمره يكون لها أكبر الأثر في نفسه، كما يؤكد علماء النفس أن هناك وقتا أمثل للتعلم والنمو، وعلى الأم أن تدرك الوقت المناسب الذي يكون فيه طفلها في حالة استجابة تامة، فالطفل يتعلم الكلام لأن الأم تكلمه، ويتعلم التفكير لأن الأم تعطي له اختيارات وبدائل وفرص تمكنه من التفكير فيها، والطفل يتعلم من أمه الكلام واللعب، ويشعر بها سواء كانت غاضبة أو سعيدة، لذا يجب أن يترك الطفل ليتعرف على البيئة المحيطة به، وليدرك تباين الأصوات بنفسه، ولابد أن تنتبه الأم لنمو طفلها عقليا خلال الأشهر الستة الأولى من حياته حتى يكتسب الخبرات المختلفة، كما أن التحدث للطفل بصوت حنون والنظر إليه يشعره بنبرات صوت أمه وهو أمر مهم للغاية . الجنين يفهم ويتعلم وهو في بطن أمه وبالرغم من أن تربية الأطفال مسئولية مشتركة بين الأم والأب، إلا أن الأم تضطلع بالنصيب الأوفر من هذه المسؤولية، والتي تبدأ قبل ميلاد الطفل، بل تتجاوز ذلك إلى ما قبل الزواج، فالحالة الصحية والنفسية للأم والتي تتشكل قبل الزواج لها أثرها على تربية الطفل، وكذلك مستوى ثقافة الأم المتصل بجانب الأمومة وتربية الأطفال يتصل بشكل مباشر بتربية الطفل، ثم مرحلة الجنين وهي من المراحل الهامة في حياة الطفل، وقد ثبت علميا بأن الجنين يفهم ويتعلم وهو في بطن أمه، حيث يؤكد أحد علماء النفس الإنجليز أنه اكتشف في مستشفى للولادة، أن الجنين يصاب بالذعر إذا استمعت الأم إلى موسيقى يكرهها مثل الموسيقى الصاخبة والتي تجعله يرفضها احتجاجا، أما الموسيقى الهادئة الناعمة فتجعله كرائد فضاء يسبح طافيا بسلاسة في أرجاء البطن كأنما يسعى لمزيد من الالتقاط، ثم تأتي مرحلة ما بعد الولادة وتصبح الأم مسؤولة منذ اللحظة الأولى لميلاد الطفل عن إشباع حاجاته إلى الغذاء والنظافة والحنان، وتوفير الأمان لهذا المولود. وتعد علاقة الطفل بأمه أبعد العلاقات أثراً في تكوين الشخصية، إذ تبدأ حياة الطفل بعلاقات بيولوجية تربطه بأمه تقوم في جوهرها على إشباع الحاجات العضوية كالطعام والنوم والدفء، ثم تتطور هذه العلاقات إلى علاقات نفسية قوية وتوفر له الحب والحنان ونتيجة لقصور ثقافة الأم في مجال رعاية الأطفال نجد الكثير من الآثار السلبية على الأطفال صحياً، فالأم لا تدري قواعد الصحة وتغذية الأطفال مما يتسبب في انتشار أمراض سوء التغذية ذلك لأن الأم نظرا لقصور ثقافتها تلجأ إلى الطرق البدائية في التعامل مع هذه الأمراض، ناهيك عما يتعرض له الطفل من سوء صحته النفسية كنتيجة للممارسات التربوية الخاطئة. الحماية الزائدة للطفل تضر بشخصيته أكثر مما تفييده والطفل بمثابة الرادار الذي يلتقط كل ما يدور حوله، فإن كانت الأم صادقة أمينة خلوقة كريمة شجاعة عفيفة، نشأ ابنها على هذه الأخلاق الحميدة، والعكس نجده إذا كانت الأم تتصف بسمات عكس السمات السابقة، لأن الطفل مهما كان استعداده طيبا ومهما كانت فطرته نقية طاهرة سليمة صافية فإنه ما لم يوجه التوجيه السليم وما لم يجد القدوة والنموذج الموجه الصالح فإنه بلا شك سينحرف إلى الجانب السلبي من جانب شخصيته، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”، وقد وضع الإمام الغزالي العناصر التالية لتربية الطفل تربية إسلامية ومنها: تعليم الطفل قراءة القرآن الكريم وأمور الشرع وسيرة الأنبياء والصالحين، وتعويده على طاعة والديه وإكرامهما، وطاعة واحترام معلميه ومن هم أكبر منه سنا، وحفظ الطفل من قرناء السوء لأن الطباع والعادات تنتقل بالمحاكاة، أيضا الثناء على الطفل إذا قام بفعل حميد، فالواجب أن يثنى عليه ويمدح علانية، أما إذا صدر منه فعل قبيح فيلام عليه بسر لا يحط قدره بين أقرانه لأن اعتياد الطفل على اللوم الكثير يقلل من اهتمامه واكتراثه به، وتعويد الطفل على التواضع وتعويده على الصبر فلا يبكي إذا ضرب ولا يلجأ إلى المراوغة والصراخ. كذلك منع الطفل عن الشتم والسب وهذر القول وتحذيره وتخويفه من ارتكاب المعاصي كالسرقة والخيانة والكسب الحرام، ومن الواجب السماح للولد باللعب والتريض بعد انصرافه من الكتاب (الروضة أو المدرسة)، وتحبيبه في الحركة الرياضية التي لا تشغله عن القيام بواجباته الدينية والدنيوية، وبالتالي واجب على الوالدين العناية بتربية الطفل منذ اليوم الأول من حياته وذلك لأن نفسه صفية بيضاء فكل ما ينقش عليه يترك أثره فالواجب أن تكون مرضعته امرأة صالحة وذات دين. ومع مراحل عمر الطفل يبدأ في التعرف على العالم من حوله، فيبدأ بالسؤال والمعرفة لكل ما يحيط به، ساعيا إلى التعرف على كل ما لا يعلمه أو تستدركه حواسه أو مداركه، هنا قد تلجأ بعض الأمهات إلى طبيعة التربية القديمة في نظرية عدم الخوض في الحديث أو التوسع في المعلومة المطلوبة لتضع كل حملها في هذه المسؤولية على المعلم والمدرسة، وهناك أمور لا يمكن متابعتها داخل الأسرة من قبل الأم فقط أو الوالدين وإنما بمشاركتهما سويا، ولكن بعض الأمور تتطلب الخوض فيها مع الأبناء، فنجد الأم الواعية المدركة لمراحل النمو وطبيعة التغيرات الجسمية والنفسية والشخصية في تكوين النفس البشرية تعيش هذه المراحل مع أبنائها بما يتطلب منها التوضيح والتنويه عنها بمساعدة الأب أو الاخوة والأخوات أو حتى المعلمين والمعلمات داخل الروضة أو المدرسة حسب طبيعة المواقف التي تعتريها، فتصل بذلك من خلال التوجيه السليم بمركبها إلى بر الأمان والسلام، وتوضح كل ما كان غريبا أو حديثا وذلك يستلزم أولا أن تتمتع الأم بشخصية محورية من الثقافة وسعة الإطلاع والأفق لتحتوي الفرد من الأبناء بما يتلاءم وتكوين شخصيته وبيئته الأسرية والاجتماعية، وعلى الأم أيضا أن تعلم طفلها أن يحكي لها كل شيء يدور في حياته، كأن يحكي لها ماذا حدث له منذ أن ذهب إلى الحضانة في الصباح إلى أن عاد إلي البيت، ولعل المغزى من هذا يتمثل في كونه يصبح أكثر قربا من والدته وتعلم طفلها الاعتماد على الذات وتحمل مسؤولية معظم احتياجاته الشخصية (كالرعاية الذاتية) وترتيب غرفة نومه ونظافتها، وعلى الأم أن تدرك أن الحماية الزائدة للطفل تضر بشخصيته أكثر مما تفيده، كما يجب على الأم أن تشجع ابنها في مرحلة لاحقة على اتخاذ القرارات المناسبة، وكلما زاد قدر المسؤولية التي تلقى بها الأم على كاهل طفلها كلما كان الابن أكثر قدرة على تحمل المسؤولية مستقبلا. أهمية التواصل مع الأبناء ينمي العلاقة مع الوالدين ويمتن روابطها ومع تطور متغيرات الحياة العصرية في المجتمعات العربية ونزول الأم إلى سوق العمل، ومكوثها خارج بيتها أكثر من تواجدها داخله، وحتى إن حدث العكس واستطاعت الأم أن تقيم توازنا بين وقتي العمل والمنزل، نجد أن الالتزامات المنزلية من شراء للطعام وطهيه، وغسل للملابس وكيها، ونظافة المنزل، وتلبية المطالب والاحتياجات المنزلية للزوج والأبناء يستهلك كل رصيد يومها فتذهب للنوم وقد أنهكها التعب وبلغ منها الإرهاق مبلغه هذا إذا لم توكل كافة الأعباء إلى الخادمة والاتكال عليها كليا في كافة الأمور، وأغلب الأمهات العاملات لا يجدن الوقت الكافي للحديث أو حتى الاستماع إلى أبنائهن، وأغلبهن يشعرن بالتقصير وتأنيب الضمير تجاه أبنائهن. والنموذج الآخر للأم تلك التي قررت عدم الخروج للعمل، وذلك لتتمكن من التفرغ لأبنائها وبيتها سواء أكان هذا القرار عن رضا وقناعة أم قد فرض عليها، فهي تكرس حياتها لأبنائها ومع ذلك قد تشعر ببعد أبنائها عنها، والسبب في ذلك فقدان التواصل الصحيح مع الأبناء. وعدم التواصل مع الأبناء قضية تزداد آثارها السلبية في أيامنا هذه نتيجة لاعتبارات كثيرة منها الانتشار الواسع لتكنولوجيا المعلومات والاتصال من الفضائيات إلى شبكات التواصل الاجتماعي على مختلف وسائله بالإضافة إلى انشغال الوالدين في الأمور الحياتية أو عدم مبالاة الآباء نتيجة لانخفاض مستوى الوعي بحجم المخاطر الناتجة عن عدم التواصل الأسري، وكلما اتسعت المسافة بين الوالدين وأبنائهم داخل الأسرة زادت المشاكل والآثار السلبية على هؤلاء الأبناء وللحد من هذه المشكلات يجب على الوالدين إيجاد الوقت الكافي للتواصل مع أبنائهم والحوار والتشاور معهم بأسلوب صحيح يعزز علاقة الأبناء بأبويهم وينمي العلاقة ويمتن روابطها وبذلك تكون أسرة صالحة بكامل المعاني. |
:roll: