إشارة إلى حالة الخوف والفزع والاضطراب التي تجتاح أكثر بلاد العالم هذه الأيام؛ بسبب انتشار وباء فيروس كورونا القاتل: (منع خروج الناس من بيوتهم إلا لضرورة، تعطل التبادل التجاري بين الدول، إيقاف وتعطيل كثير من خطوط الطيران، إلغاء كل الفعاليات والتجمعات بما فيها الصلاة في المساجد!!)
فينبغي أن يكون هذا الفيروس درسا وموعظة لنا جميعا، ينبّهنا إلى ضعفنا وقلّة حيلتنا أمام قدرة العليّ العظيم جلّ شأنه؛ فهذا مخلوق مجهريّ أثار الرّعب والذّعر في نفوس سكّان القارات السّبع،
ومهما وصلنا إلى معرفة أسباب بعض الكوارث والنّكبات، فلا ينبغي أن يصرفنا ذلك عن الاتّعاظ والاعتبار والنّظر في الأسباب غير الظّاهرة،
وكثيرة هي الدّروس والعبر التي ينبغي أن تستخلص من تفشّي وباء كورونا في العالم أجمع فهو لم يفرق بين الغني والفقير، وبين الدولة المتقدمة والدول الفقيرة كل العالم أصابه هذا الداء الخطير..
إن مثل هذه القوارع والبلايا والتي تحل بنا ينبغي أن تحدونا للعودة إلى الله والاحتماء بحماه، وعلى التّوبة وكثرة الاستغفار، فما نزلت بلية إلا بذنب ولا رفعت إلا بتوبة، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون)
والحقيقة الماثلة أمامنا تقول إنه كلما تقدم الزمن بالبشرية وارتقت العلوم والتكنولوجيا، كلما ظهرت فيروسات جديدة أكثر ذكاء وخطورة لم تكن موجودة من قبل كفيروس الإيدز وإيبولا وسارس وكورونا، وغيرها من الفيروسات. وبالتأكيد فإن فيروس كورونا الجديد لن يكون آخر هذه الفيروسات.
إن ذلك يظهر عدم جاهزية العالم وعجزه في مواجهة هذه الفيروسات الأمر الذي يتطلب من دول العالم وبالأخص المتقدمة تخصيص جزء بسيط من موازناتها لدعم البحوث الخاصة بمواجهة هذه الفيروسات والأوبئة التي تهدد البشرية.
ولقد أظهر الصينيون مستوى عال جدا من الانضباط والالتزام بتعليمات الحكومات المحلية بشكل أبهر العالم، ويجدر بشعوب العالم أن تتعلم من حكومة الصين وقوة فاعليتها ومدى الانضباط والالتزام العالي عند الشعب الصيني.
ينبغي علينا عدم التضخيم من المرض وخلق حالة هلع منه، لأن القلق والخوف يضعف مناعة بعض الأشخاص، وخاصة المصابين بأمراض مزمنة كالضغط والسكري، أو بعض الأمراض الأخرى كالسرطان..
وينبغي اتباع نصائح الخبراء وعدم تبسيط الأمر أو التنكيت عليه، كما يجب علينا الابتعاد عن الخزعبلات، فإلى حدود الساعة لم يتوصل العلم لعلاج للمرض، والحل الأمثل الوقاية من العدوى، والعناية بالنظافة وإتباع نظام غدائي طبيعي، والابتعاد عن المصبرات والمنتجات الغذائية المتضمنة لمواد حافظة، لأنها تضعف المناعة ولا تقويها، وفي حالة الإصابة بالفيروس ينبغي تقوية مناعة الجسم لمواجهة الفيروس، وهذه أهم الخلاصات التي توصل إليها الصينيون…
إنَّه لدرسٌ عظيمٌ، وتذكرةٌ وعِبرةٌ لمن له قلبٌ سليمٌ، فها هي دول العالم تقفُ عاجزةً أمامَ فيروسٍ، مع الإمكانياتِ الكبيرةِ، والأموالِ الكثيرةِ، وما تَتَمتعُ فيه مِن خِبراتٍ وقُدراتٍ هائلةٍ في مَجالِ مُواجهةِ الطَّوارئِ الصَّحيةِ، لكن: (مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) إلا أن يشاءُ اللهُ تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) فكيفَ بغيرِها من البلدانِ الأقلِّ خبرةً وقُدرةً ومالاً ورجالاً.
فإذا علمنا أنَّها مُصيبةٌ كُبرى، علينا أن نتأملُ قولَه تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، فاللهُ خالقُنا ورازقُنا يخبرُنا أنَّ المَصائبَ بسببِ أعمالِ البشرِ..
يقولُ ابنُ كثيرٍ في كتابِ البدايةِ والنِّهايةِ: “ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وفيها: كَثرتْ الأمراضُ من الحُمَّى والطَّاعونِ بالعِراقِ والحِجازِ والشَّامِ، وأَعقبَ ذلك مَوتُ الفَجأةِ، ثُمَّ مَاتتْ الوحوشُ في البَراري، ثم تَلاها مَوتُ البَهائمِ، حَتى عَزَّتْ الألبانُ واللُّحمانُ، وهاجتْ ريحٌ سَوداءُ وسَفَّتْ الرِّمالَ، وتَساقطتْ أَشجارٌ كثيرةٌ من النَّخلِ وغَيرِها، ووَقعتْ صَواعقُ في البلادِ، حَتى ظَّنَّ بَعضُ النَّاسِ أن القيامةَ قَد قَامتْ، فكيفَ تعاملَ الخليفةُ المسلمُ مع هذه الأزمةِ العظيمةِ؟
خَرجَ تَوقيعُ الخَليفةِ المُقتدي بَأمرِ اللهِ بتَجديدِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِّ عن المنكرِ في كُلِّ مكانٍ، وكَسرِ آلاتِ المَلاهي، وإراقةِ الخُمورِ، وإخراجِ أهلِ الفَسادِ من البلادِ، ثُمَّ انَجلى ذلكَ كلُّه، وللهِ الحَمدُ”.
علينا بالصبر والرضا، والاحتساب، والدعاء، والانكسار والتذلل لله عز وجل: قال الله تعالى: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ)
ويجب الأخذ بالأسباب المادية المشروعة مع التوكل على الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً”
إن مثل هذا البلاء آية سماوية تهدف إلى التذكير والعظة؛ (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)، يخاف العاصي فيتوب ويخاف المؤمن فيزاد إيمانه ويقينه..
كما ينبغي لنا أن نكثر من الدّعاء والإلحاح على الله بأن يدفع عنّا كلّ بلاء ويردّ عنّا كلّ وباء، ومن الأدعية النّافعة بإذن الله، ما أثر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان يدعو قائلا: “اللهمّ إنّي أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيّئ الأسقام”، ويقول أيضا: “اللهمّ إني أسألُك العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرةِ. اللهمّ إني أسألُك العفوَ والعافيةَ في دِيني ودنيايَ وأهلي ومالي. اللهمّ استُرْ عوراتي وآمِنْ روعاتي. اللهمّ احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذُ بك أن أُغْتَالَ من تحتي”.
اللسان ليس عظاماً لكنه يكسر العـظام
الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف