بعد أسابيع على تفشي فيروس (سارس-كوف-2) حول العالم، بدأت الصين تجري عمليات نقل بلازما الدم ممّن شفوا من «كورونا) إلى المصابين به، بشكل خطير، على اعتبار أنّ البلازما تحتوي على أجسام مضادّة تساعد المرضى على محاربة الفيروس.
بعد الصين، لجأت دول أوروبية عديدة إلى هذه الطريقة، في حين اعتمدها، أخيراً، مركز السيطرة على الأمراض الأميركي CDC، كأحد العلاجات المهمّة. غير أنّ ورقتين بحثيتين نُشرتا على موقع مجلة (ساينس) (Science) العلمية، الأسبوع الماضي، كشفتا معلومات جديدة وصادمة بشأن الفيروس، كما أطلقتا تحذيرات بشأن عملية نقل البلازما.
وبحسب (النبأ)، السبب وراء ذلك يكمن في ما يُسمى "الإنترفيرون من النوع الأول"، وهو بروتين تصنعه كلّ خلية في الجسم، ودوره أساسي في المعارك التي تُخاض ضدّ الفيروسات، في المراحل المبكرة من الإصابة.
يقوم هذا البروتين على إطلاق استجابة محلية فورية ومكثّفة، عندما يغزو الفيروس إحدى الخلايا، ما يؤدّي إلى إنتاج الخلايا المصابة بروتينات تهاجم الفيروس. كما أنّه يستدعي الخلايا المناعية (مثل الأجسام المضادّة والخلايا التائية T-cells)، وينبّه الخلايا المجاوِرة غير المصابة، من أجل تجهيز دفاعاتها الخاصة.
منذ الأيام الأولى لانتشار فيروس (كورونا)، توقّف العلماء والباحثون أمام سؤالٍ محيّر، وهو: هل يعاني الأفراد ذي الحالات الخطرة، من خللٍ ما في "الإنترفيرون من النوع الأول" Type I interferons؟
التقرير الذي نشرته مجلّة (ساينس)، الأسبوع الماضي، يجيب عن هذا السؤال. فقد تطرّقت الورقتان البحثيّتان إلى "النوع الأول من الإنترفيرون" في الحالات الخطرة من مرض (كوفيد-19)، ليتبيّن أنّه لدى نسبة غير قليلة منهم، أصيبت استجابة (الإنترفيرون) بـ(الشلل)، بسبب عيوب وراثية، أو بسبب أجسام مضادّة معطوبة تهاجم (الإنترفيرون) نفسه.
وفي إحدى الدراسات، قام جان لوران كازانوفا، وهو عالم الوراثة للأمراض المعدية في جامعة روكفلر-نيويورك، مع فريقه، بفحص عيّنات دم من 987 مريضاً مصاباً بالحالة الخطيرة من الفيروس، ومن جميع أنحاء العالم، ليتبيّن أنّ 10.2٪ من المرضى وُجدت لديهم أجسام مضادة معطوبة تهاجم (الإنترفيرون)الخاص بهم.
وأكدت الدراسات المخبرية أنّ تلك الأجسام المضادّة المعطوبة أوقفت تأثير «الإنترفيرون» الذي يساعد المرضى في مكافحة الفيروس، وأنّ عملية نقل البلازما فشلت في درء فيروس «كورونا» عن غزو أجسام هؤلاء.
بناءً عليه، أدّت هذه النتائج إلى إطلاق تحذيرات بشأن عمليات التبرّع بالبلازما من المرضى المتعافين، إذ إنّ بعض التبرّعات يمكن أن يؤوي الأجسام المضادّة المعطوبة التي تهاجم «الإنترفيرون».
بمعنى آخر، سيشكّل نقل بلازما الدم من شخص شُفي من «كورونا»، من دون فحص تلك البلازما، خطراً على المريض بعدما تصبح تلك الأجسام المضادّة المعطوبة داخل جسمه. وتقول إلينا زونيغا، الاختصاصية في المناعة والتي تدرس «الإنترفيرون» في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو: «يجب استبعاد هؤلاء الأشخاص من مجموعة المتبرّعين.
بالتأكيد لا نريد نقل هذه الأجسام المضادّة المعطوبة إلى أي شخص آخر». إلّا أنّ الدراسة تضيف، من ناحية أخرى، أنّه لم يتم العثور على هذه الأجسام المضادّة المعطوبة في 663 شخصاً يعانون من إصابة خفيفة أو بدون أعراض من «كورونا»، بينما كانت موجودة لدى أربعة أشخاص فقط، من أصل 1227 فرداً سليماً. وتراوح أعمار المرضى الذين يعانون من الأجسام المضادّة المعطوبة بين 25 و87 عاماً، بينما تتركّز لدى نسبة 94% من الذكور.
بل إنّ الدراسة تفيد، أيضاً، بأنّ الأجسام المضادّة المعطوبة تكمن وراء الالتهاب الرئوي الحاد نتيجة «كورونا»، والذي يهدّد حياة 2.6٪ على الأقل من الإناث، و12.5٪ من الذكور. ويذكر التقرير أنّ ذلك ربّما يفسّر نسبة المرض الشديد لدى الذكور، على اعتبار أنه قد يكون للأمر علاقة بالكروموزومات.
من جهة أخرى، يفيد التقرير بأنّ للدراستين أثراً إيجابياً كبيراً على نسبة غير قليلة من المرضى ذوي الحالات الخطرة، إذ إنّ «الإنترفيرونات الاصطناعية» المستخدمة منذ فترة طويلة في علاج أمراض أخرى، مثل الربو، يمكن أن تفيد بعض المرضى المعرّضين للخطر. هذا فضلاً عن أنّ هناك علاجات يمكن أن تزيل الأجسام المضادّة الضارّة من جسم المريض، بينما يمكن تطوير نوع من فحص الأجسام المضادّة بسهولة، لاكتشاف وجود الأجسام المضادّة المعطوبة لدى الأفراد، قبل القيام بعملية نقل البلازما.