يصيب الأرق المزمن 20% من الناس حول العالم فيجبر المصابين به على
تناول جرعات كبيرة من العقاقير، ويؤدي إلى عواقب وخيمة تنعكس سلباً على
حياة هؤلاء: من الشعور بالتعب خلال النهار، وعدم إنجاز الأعمال المطلوبة،
وتراجع في الأداء الوظيفي وفي القدرة على التركيز، وصولاً إلى خطر التعرّض
لحوادث في العمل أو على الطريق، فيضطرّ المرء في حالات متقدّمة إلى التوقف
عن العمل، وقد يحتاج إلى متابعة طبيّة وعلاج طويل أو حتى المكوث في
المستشفى أياماً. ما السبل المناسبة للحدّ من الأرق؟
تتفاوت أسباب الأرق، وترتبط أحياناً بأسباب نفسيّة (الإصابة باكتئاب نفسي)، أو بمتلازمات عدّة منها:
- متلازمة انقطاع النفس النومي، sleep apnea، التي تطاول 5 إلى 6% من الأشخاص.
- متلازمة الساقين غير المستقرة، restless legs syndrome، التي تعتبر أكثر شيوعاً وتصيب 15% من الأشخاص.
- ناركوليبسي، Narcolepsy، أو النوم الانتيابي. يجهل الأطباء سبب هذا
الاضطراب الذي يسبب نعاساً لا يمكن مقاومته أثناء ممارسة الأنشطة اليومية،
ويظهر عادة في أواخر سن العشرين أو أوائل الثلاثين. تعاني نسبة ضئيلة من
الأشخاص من هذه المتلازمة (0.05%).
تسفر هذه العوارض عن عدم استقرار في النوم، الأرق، زيادة الخمول والنعاس
أثناء النهار، بالإضافة إلى فرط النوم hypersomia الذي قد ينجم عن مرض
دماغي أو خلل في عمل عضلات الجسم.
أهميّة النوم
يقضي الشخص ثلث حياته في النوم الذي يوفّر الراحة بعد نهار عمل طويل ويساهم
في استعادة الطاقة التي فقدها الجسم. إذاً، يشكّل مفتاحاً أساسياً للنجاح
في الحياة التي تتطلب المواظبة على العمل وبذل جهود كبيرة.
كذلك، يُعتبر النوم أساسياً لنموّ الطفل، ذلك أن الجسم يفرز هرموناً خاصاً
خلال دورة النوم العميق يحفّز النمو. تختلف النشاطات التي نقوم بها يومياً
ويؤثر النوم في تناسق وظائف الجسم كافة. فضلاً عن ذلك، يعزز الطاقة
العقليّة ويساعد على تقوية الذاكرة، إذ يرتبط تخزين المعلومات وتحسين
الذاكرة بدورة النوم «التناقضي».
لمَ يعاني البعض الأرقَ؟
يُظهر المصابون بالأرق عوارض مشتركة من بينها: تعرّضهم لضغوطات نفسيّة
كبيرة، تأثرهم بالتوترات العصبيّة، تقلّب مزاجهم، نمط حياة مضطرب على سبيل
المثال: عدم انتظام مواعيد النوم أو اتباع نظام غذائي غير متوازن... غالباً
يخشى هؤلاء الأشخاص الظلمة والوحدة والسكون والنوم والموت ويخافون من
حالات الأرق التي تصيبهم.
أنواعه
متلازمة انقطاع النفس النومي: يعاني كثر بدرجات متفاوتة من متلازمة انقطاع
التنفس النومي، خلل يصيب المرء خلال النوم فيعجز عن التنفّس لثوانٍ أو
لدقائق محددة، وقد تعاوده هذه الحالة ليلاً مرات عدة.
تصيب هذه المتلازمة 5 إلى 6% من الأشخاص حول العالم وتنجم عن ارتخاء كامل
لعضلات البلعوم ما يمنع الهواء من المرور. تشمل العوارض: الشخير أثناء
النوم، التنفّس بصوت مرتفع، صداع في النهار التالي، التعرّق ليلاً والتعب
المزمن. من الطبيعي أن يفتقر المرء الذي يعاني من هذه المتلازمة الى
الحيوية والطاقة خلال النهار، وقد ينخفض أداؤه في العمل نتيجة الإعياء الذي
يشعر به.
أرق مرتبط بمتلازمة الساقين غير المستقرة: تعرَّف هذه المتلازمة بأنها أحد
اضطرابات النوم، من عوارضها: أحاسيس غريبة وغير مريحة في الساقين على غرار
التنميل. يشعر المريض بهذه الأوجاع قبيل النوم فيحاول تحريك القدمين أو حتى
المشي إلاّ أن هذا الشعور لا يلبث أن يعاوده بمجرد استقرار الساقين
ومحاولة النوم ثانيةً، ما يدفع المريض، أحياناً كثيرة إلى مغادرة الفراش
والمشي في أرجاء الغرفة... توصّل الأطباء إلى ابتكار علاجات حديثة للحدّ من
آثار هذه المتلازمة.
أرق مرتبط بتناول الأدوية ومواد كيماوية أخرى: يؤكد الخبراء أن عدداً
كبيراً من الأدوية والعقاقير التي تبطئ عمل الجهاز العصبي تسبّب الأرق.
اكتشف الباحثون أن دورات النوم لدى الأشخاص الذي يتناولون عقاقير كالمسكنات
لا تتعاقب بطريقة طبيعية. فضلاً عن ذلك، يجب أن ينظر الطبيب في تاريخ
المريض ليحدّد سبب الأرق من ثمّ يصف جرعات من الأدوية على أن يخففها
تدريجاً.
تسبب المحفزات للنشاط على غرار الأمفيتامين، Amphetamine، والقهوة أو
مشروبات أخرى تحوي الكافيين بالإضافة إلى أدوية Sympathomimetic Drugs التي
توصف لمعالجة حالات الربو الشديدة، خمولاً لدى المريض خلال النهار ولا
تسمح له بالنوم ليلاً.
علاجه
يرتبط علاج الأرق بنوعه وبالأدوية المنوّمة التي اعتاد المريض تناولها. من
الطبيعي ألا يتخلص المريض من الأرق بسهولة إذا كان يعاني منه منذ سنين، لذا
من المهمّ تحديد حاجاته ومساعدته على استعادة نمط حياة طبيعي. غير أن
الأدوية المنومة حلّت مكان المواد الطبيعيّة التي تساعد الإنسان على
الاسترخاء والنوم ملء جفونه، ما يفرض على المريض الإبقاء على العادات
الروتينيّة التي تسهّل النوم وألا يتردد في استشارة الطبيب إذا أصبح يعاني
من الأرق باستمرار. كذلك، ينصح الخبراء بالخضوع من وقت الى آخر لجلسات
تدليك طبيّة تزيل التوتر من العضلات وترخيها.
هل يجوز تناول الأدوية المنومة؟
نشهد اليوم إسرافاً في إنتاج الحبوب المنومة وتهافتاً للحصول عليها، من دون
مراجعة الأطباء المختصين بمعالجة حالات الأرق. الاّ أن هذه الأدوية سلاح
ذو حدين: قد تظهر فاعليتها أحياناً، غير أنها قد تساهم في تفاقم الوضع في
حالات أخرى. فهي تؤمن راحة موقتة ولا تعالج المشكلة من جذورها. لا يحبّذ
الأطباء تناولها لأكثر من أسابيع محددة. فاذا توقف المريض عن تناولها قد
تؤدي إلى تأثيرات ارتدادية، مثل حصول حالة الأرق الارتدادي rebound
insomnia التي يصعب تدارك نتائجها. وقد لا تتسم الأدوية التي يمكنكم شراؤها
من دون وصفة طبيّة بالفاعليّة المطلوبة، فربما تعدّى تأثيرها فترة الليل
وانعكس على أداء المرء ويقظته الذهنية وتركيزه العقلي ونشاطه البدني، خلال
فترة النهار. يستحسن تجنّب الوقوع في هذه الحلقة المفرغة التي تشكّل خطراً
على السلامة العامة لا سيّما إذا كان الأرق مرتبطاً بمشاكل صحيّة، والأفضل
محاولة إيجاد حلول طبيعيّة وبسيطة كفيلة بمعالجة المشكلة من دون إلحاق ضرر
بالتوازن الصحي.
اللسان ليس عظاماً لكنه يكسر العـظام
الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف