الاكتئاب بحاجة الى طبيب متخصص
د.ابراهيم بن حسن الخضير
قبل أيام توفيت فتاة وهي تُعالج على يد مُعالج شعبي أو راقٍ ،
لا أعرف على وجه التحديد ولكن الجريدة التي نقلت الخبر ، أشارت إلى أنه
راقٍ يقوم بعلاج الأمراض النفسية بالعلاج الكهربائي. استوقفتني كثيراً
عبارات في هذا الخبر الذي تحدث عن وفاة فتاة على يد هذا الراقي الذي حاول
أن يُعالجها بالكهرباء ولكن الفتاة توفيت قبل أن يتم اسعافها وقبل أن تصل
إلى المستشفى. نحن أمام مشكلةٍ كبيرة في موضوع علاج المعالجيين الشعبيين
من رقاة وغيرهم بأمور في غاية الخطورة مثل الكهرباء. لا أعرف بالضبط على
وجه التحديد كيف يقوم المعالج أياً كان تسميته بالعلاج بالكهرباء؟ وكيفية
الطريقة التي يلمس بها التيار الكهربائي جسد المريض أو المريضة؟. الكهرباء
أمرٌ خطير والتلاعب بالكهرباء غاية في الخطورة على حياة من يقوم بذلك. هل
يقوم المُعالج بصعق المريض أو المريضة (غالباً من يُصعق بالكهرباء أو
يُضرب حتى الموت من قِبل المعالجين الشعبيين أو الرقاة هن النساء) بتيار
كهربائي يمر خلال جسده وماهي الأهداف من هذه الكهرباء التي لا يعرف
المُعالج الشعبي ، والذي غالباً ما يكون رجلاً بسيطاً ليس لديه أي فكرةٍ
عن مقدار كمية الكهرباء الذي يصعق به مرضاه ولا عن الفترة الزمنية التي
لمست الكهرباء جسد المريض. هذه المعلومات ضرورية جداً ، لمن يُعالج بأي
طريقة علاجية. وفي القانون المُعالج ضامن ؛ أي أنه يضمن ما يقوم به ، فإذا
قام طبيب مثلاً بعلاج لم يقم به من قبل ولا يتقنه فيُعتبر مسؤولاً عما
يحدث للمريض الذي قام بعلاجه بطريقة غير متقنٍ لها.
المشكلة العلاجات التي نسمع عنها منذ سنوات طويلة مثل العلاج بالضرب
المُبرح حتى الموت أو اصابة المريضة برضوض وربما كسور ، أو العلاج
بالكهرباء عن طريق الصعق أو بالسشوار ، وبرغم أن الضحايا لا نعرف على وجه
التحديد كم عددهم راح بعضهم بسر لا يعلمه أحد إلا أهل المرضى والمعُالج
الذي قتل المريضة أو المريض ، لأن الأهل يتسترون بالعادة على المعُالج
الشعبي ، خاصةً إذا كان راقياً ودفن المريض أو المريضة على أن الوفاة كانت
طبيعية. لكن قرأنا وسمعنا عن عدد لا يمكننا تجاهله بأن هناك من يموت بسبب
الجهل لمن يدّعي بأنه يُعالج أمراض لا يعرف ماهيتها وهل هي أمراض عضوية أم
عقلية أم نفسية.
الكهرباء أمرٌ خطير والتلاعب بالكهرباء غاية في الخطورة على حياة من يقوم بذلك
قبل سنوات روى لي أحد الأصدقاء الأطباء النفسيين بأن مريضة كانت تُعالج
لديه من اكتئاب شديد ، مما جعلها تصبح مُتخشّبة ، وهذا أمرٌ معروف في الطب
النفسي لبعض الحالات النفسية والعقلية. قررت عائلة المريضة أخذها إلى أحد
المُعالجين الشعبيين الذين يدعوّن بأنهم يُعالجون مثل هذه الحالات. عندما
رأى هذا المعُالج المريضة مُتخشبة ، قرر وأخبر الأهل بأن هذه المريضة
مُتلبسها جني شديد ولذلك تحتاج لضرب قوي حتى يتم إخراج الجني من جسد
ابنتهم. قام الأهل باستئجار عاملين من الجنسية الأسيوية أشداء و أحضرا سلكا
كهربائيا سميكا و أعطياه للعاملين ليقوما بجلد ابنتهم بقوة حتى يخرج هذا
الجني القوي!. في اليوم الأول تذمرّت الفتاة من الضرب وأعربت لعائلتها بأن
الضرب المُبرح يؤلمها هي وأن الضرب على جسدها وليس على جني أو أي شيء
آخر!. استبشر الأهل خيراً فقد نطقت الفتاة المريضة ، وحتى و إن كان ما
نطقت به مُخالف لما كان الأهل يُريدون. لكن الأهل أرجعوا ما قالته الفتاة
إلى أن الجني نطق بعد الضرب الشديد الذي تعرّضت له ابنتهم ، وواصلوا الضرب
المبرح بعاملين قويين في اليوم الثاني ولكن الفتاة توفيت نتيجة الضرب
المُبرح الذي كان يقع على جسد الفتاة وليس على جني أو أي شيء آخر. تهرّب
المُعالج من تِبعات نصيحته بالضرب المُبرح للفتاة حتى يخرج الجني القوي،
وأشار إلى أنه لم ينصح بمثل هذا النوع من الضرب. وهكذا خرج من هذه المشكلة
دون أي مساءلة ، وذهبت الضحية بلا أي قيمة ، وربما فعل مثل ما فعل مع
ضحايا آخرين لأنه لم تتم مُحاسبته عما فعل من جريمة بحق الفتاة البرئية
التي انتقلت إلى رحمة ربها ، بينما من كان السبب في وفاتها وربما هناك
آخرون أو أخريات ذهبوا ضحية لهذه الأخطاء التي تتكرر ولكن للأسف لا يتم
ردع أي من هؤلاء الذين يدّعون علاج الأمراض النفسية والعقلية وربما أيضاً
العضوية ، فقدراتهم ليس لها حدود.
مريض نفسي
أضرار بليغة
مشكلة الضرب المُبرح للمرضى النفسيين والعقليين حتى الموت، أو اصاباتهم
بأضرار بليغة من جرّاء الاعتداءات البدنية عليهم ، تجد لها من يُبرر هذه
الأفعال على أنها من الأفعال المقبولة اجتماعياً ودينياً. في إحدى الصحف
المحلية قال أحد الرقاة والذين نقلت عنهم الجريدة اليومية حادث وفاة الفتاة
بسبب صعقها بالكهرباء ووفاتها. وقال هذا الراقي "إن الضرب لا يستخدم إلا
إذا كان الجسد متلبساً من قِبل الجني 100% ، وعلى الراقي التمييز بين ضرب
الجني وضرب المريض فقد يكون الأخير في حالة هيجان ويظن الراقي أنه الجني".
هذا الكلام خطير ، فأوله يؤسس لموضوع الضرب للمرضى النفسيين والعقليين ،
ويجعل هذا الأمر مُباحاً لمن يدعّي بأنه يضرب الجني حتى ولو توفي المريض
تحت تأثير الضرب. الأمر الآخر وهو كيف يستطيع شخص التمييز والتأكد من أن
الجني متلبس المريض النفسي 100% ، وماهي المقاييس التي يعتمدها المعالجون
الشعبيون لمعرفة مقدار التلبّس الذي يكون لدى الشخص الذي يُعاني من اضطراب
نفسي أو عقلي.. والمس أمرٌ مختلف عليه ، فبعض علماء المسلمين لا يقرون
بالمس ، والشيخ على العمري ، أشهر من كان يقوم بإخراج الجن من المرضى ،
أعترف في مقابلات صحفية وتلفزيونية بأن ما كان يعتقد بأنه جن إنما هو أمراض
نفسية , و إن ما كان يعتقد بأنه جن هو عبارة عن هلاوس سمعية يسمعها
المريض باضطرابات عقلية وبعد ذلك أبتعد عن ما يُسمى بإخراج الجن من المرضى
النفسيين والعقليين. إن تبرير الضرب للمرضى النفسيين والعقليين تحت أي
مُبررات لا يجوز ، فالضرب - سواء كان مُبرحاً أو غيره - تحت أي ظرفٍ كان
غير مقبول ، لأن التلبس أو تلبس الجني بالأنسي و ظهور ذلك بأعراض ، هي
أعراض معروفة لأمراض عقلية ونفسية على مستوى العالم أجمع ، وإنما في دول
قليلة من دول العالم الثالث ، وفي شريحة معينة ، ينتشر هذا الاعتقاد به ،
ويتم – في بعض الدول – التنكيل بالمرضى النفسيين والعقليين بالضرب المُبرح
الذي قد يقود إلى الموت أو الإصابات البالغة ، خاصة النساء!. كذلك يتم
تعذيبهم بطرق غير آدمية مثل صعقهم بالكهرباء دون معرفةٍ من يقوم بمثل هذه
الأفعال عن ماهية فعل الكهرباء بالمرضى وقد يموت المريض كما حدث مع فتاة
القصيم.
للأمراض النفسية اعراض معروفة
يجب أن يكون هناك رادع لمن يتلاعب بأرواح المرضى ، أياً كان مرضهم ، فيجب
على من يُعالج المرضى أن يكون حائزاً على تصريح من الجهات المختصة
والمسؤولة عن صحة المواطنين والمقيمين لكي يُمارسوا مهنة تطبيب الآخرين ،
وأن يكونوا ضامنين لما يفعلونه بالمرضى ، فكون شخص أمياً لا يعرف شيئاً عن
الكهرباء و تأثيراتها ويصعق المرضى بالكهرباء بحجة علاجهم ، وهو في واقع
الأمر يرتكب جريمة لأن العلاج بالكهرباء أمرٌ من شؤون المتخصصين في مجال
العلاجات الطبية ، سواء أكانوا أطباء أم غير ذلك من المتخصصين والذين
تخرجوّا من جامعات ويحملون مؤهلات علمية ولهم خبرات تتيح لهم العلاج
بالكهرباء وفق ضوابط معروفة ومحددة.
العلاج بالجلسات الكهربائية مثلاً في الطب النفسي ، له ضوابط محددة
ويستخدم في اضطرابات معينة ، لها مواصفات محددة ، ويُستخدم تحت تأثير
التخدير العام ، بوجود طبيب نفسي متخصص وطبيب تخدير وغرفة إفاقة ، وأجهزة
حديثة باهظة الثمن ، تقوم هذه الأجهزة بتسجيل جميع وظائف الجسم الحيوية مثل
ضغط الدم ، النبض ، التنفّس ، تخطيط قلب وكذلك تخطيط دماغ ، ويتم تحديد
كمية الكهرباء التي سوف تُعطى للمريض وكذلك المدة التي سوف تُعطى للمريض
وتكون عبر جهاز تلقائي بوجود أطباء وفنيين وتتم مراقبة هذه الأجهزة من قِبل
جميع الموجودين في المكان حرصاً على سلامة المريض الذي لا يحس بشيء نتيجة
أن علاجه بالكهرباء تحت تخدير عام. إذا حدث أي خطأ نتيجة جهل الطبيب الذي
يقوم بإجراء هذا العلاج فإنه يتحمّل المسؤولية جراّء أنه تعرّض لإجراء
عملية علاجية لمريض وهو لا يعلم جيداً كيفية القيام بهذه العلاج.
إن التسامح و غض النظر عن أشخاص يتصدّرون للقيام بعلاج مرضى دون أن تكون
لديهم الكفاءة والخبرة للقيام بمثل هذه العلاجات وتعريض حياة أشخاص أبرياء
للخطر ، وربما توفي أشخاص – كما حدث لفتاة القصيم واشخاص آخرين أعرفهم –
جراّء أخطاء نتيجة جهل واستهتار بحياة مرضى كانوا بحاجة لأن يتعالجوا عند
أشخاص مؤهلين لعلاج مثل هذه الحالات. يجب أن يتم النظر في ما يقوم به بعض
العامة من إدّعائهم علاج المرضى دون أن يكون لديهم المعرفة بالأمراض التي
يُعاني منها هؤلاء المرضى. إن موضوع تقنين الرقية أمرٌ فضفاض ولا يُعرف كيف
يمكن ضبطه ، إما المطالبة بوضع عيادات أو أقسام للرقية في المستشفيات
فأظن أنه أمرٌ غير مقبول ولا يخدم المصلحة العامة.
الاسشوار احدى الادوات التي يستخدمها المعالجون الشعبيون