غذاء ليس غريبا على الإنسان فهو معروف لديه منذ خلق آدم عليه السلام وهو من مشروبات الجنة وأول طعام يتناوله الإنسان بعد ولادته وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في أكثر من موقع وليس هناك غذاء عرفه الإنسان ويجزئ مثل اللبن مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجة (من أطعمه الله طعاماً فليقل "اللهم بارك لنا فيه وارزقنا خيراً منه" ومن سقاه الله لبناً فليقل "اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه" فإني لا أعلم ما يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن).
والحليب (اللبن) يعتبر من الناحية الغذائية (وجبة غذائية تامة إن لم تكن كاملة) لاحتوائه على جميع الاحتياجات الغذائية للإنسان ابتداء من الماء وانتهاء بالعناصر المعدنية والفيتامينات والشيء الوحيد الذي تقل كميته في الحليب عن الاحتياج اليومي للإنسان البالغ هو الحديد وهذا الفرق في الاحتياج يمكن تعويضه ببضع تميرات.
عند التحدث أو الكتابة عن الحليب (اللبن) فإن ما يذكر عادة هو محتواه من العناصر الغذائية وأهمية كل عنصر بالنسبة لصحة الإنسان مثل الحديث عن الكالسيوم وأهميته بالنسبة للأسنان والعظام وكذلك الفيتامينات بأنواعها المختلفة والعناصر المعدنية والبروتين وسكر اللبن والدهون.. الخ، ولكن هناك جوانب أخرى في الحليب نادراً ما يتم التطرق لها وهذه الجوانب ذات أهمية لا يمكن اغفالها نظراً لأهميتها خاصة بالنسبة للأطفال في مراحل التمييز والادراك والتطور الذهني لهم، وقد استشعر بعض علماء التغذية ان هناك علاقة بين شرب الحليب (اللبن) لدى الأطفال والتطور الذهني لهم.
اجريت عدة دراسات على تأثير الحليب على انجاز الأطفال في المدارس وكانت جميع النتائج تشير إلى ان انتظام الأطفال في شرب الحليب في سن المدرسة كان له تأثير ايجابي واضح في كل من:
1- التركيز، 2) المنطق والخيال، 3) السلوك العام، 4) التحمل الجسماني، 5) قلة الأخطاء، 6) النشاط الحركي، 7) الهدوء، الحليب (اللبن) Icon_cool الابداع.
جوانب أخرى مهمة للحليب :
1- الحليب يحتوي على انزيمات تساعد على الهضم مثل انزيم البروتينيز (Proteinase) لهضم البروتين وانزيم اللايبيز (Lipase) لهضم الدهون وانزيم اللاكتيز (Lactase) لهضم سكر اللاكتوز بالاضافة إلى انزيمات أخرى لها وظائف حيوية مهمة.
2- الحليب مهدئ للأعصاب لذلك فإن شرب كأس منه قبل النوم يساعد على النوم الهادئ خاصة للأطفال.
3- الحليب مخفف لحموضة المعدة خاصة إذا شرب بارداً وبالذات لمن يعانون من حموضة المعدة أو القرحة المعدية.
4- جسم الإنسان يعمل على تخزين الكالسيوم في الجسم ويستمر هذا التخزين حتى سن 35عاماً وعند الحاجة لأي كمية من الكالسيوم نتيجة عدم توفره بكمية كافية في الغذاء اليومي فإن الجسم يبدأ باستخدام الكالسيوم من هذا المخزون ولذلك فإن انخفاض هذا المخزون يتسبب في مشاكل هشاشة العظام ومشاكل نقص الكالسيوم خاصة عند النساء نظراً للاستهلاك العالي للكالسيوم خلال فترات الحمل والرضاع. لذلك ينصح بالانتظام في شرب الحليب نظراً لتوفر الكالسيوم فيه بصورة سهلة للهضم وبكميات جيدة وكذلك أكل الأطعمة الغنية بالكالسيوم.
5- الشاي الأحمر يحتوي على حامض التانيك الذي يؤثر على امتصاص الحديد في الجسم واضافة الحليب للشاي يمنع عمل هذا الحامض.
6- حامض الفسفور الموجود في بعض المشروبات يقلل الاستفادة من الحليب حيث انه يؤثر على امتصاص الكالسيوم في الجسم وبالتالي فإن الاستمرار فيه قد يؤدي إلى هشاشة العظام خاصة لدى النساء.
الحليب (اللبن) 1111113
الحليب (اللبن) 11113333
في مراحل العمر المتقدمة للإنسان تقل قدرته على امتصاص العناصر الغذائية من الطعام الذي يتناوله لذلك ينصح بتغذية كبار السن على الأغذية سهلة الهضم والامتصاص ومن اهمها الحليب الذي يعتبر سهل الهضم كما ان العناصر الغذائية التي توجد فيه سهلة الامتصاص.
والحليب المبستر لا يحتوي على مواد مضافة وتنص المواصفات للحليب المبستر على عدم السماح بإضافة اي مواد اليه والطريقة الوحيدة التي تستخدم لإطالة فترة صلاحية الحليب هي المعاملة الحرارية المسماة "البسترة" وهي تسخين الحليب الى درجة حرارة معينة (مثل 73م لمدة 15ثانية) وهذه الحرارة لا تؤثر سلبياً على مكونات الحليب ولكنها تقتل الجراثيم التي قد توجد في الحليب الخام نتيجة التلوث خلال مراحل الإنتاج والتي قد تتضمن جراثيم ممرضة والتي بسببها لا يسمح ببيع الحليب الخام (غير المبستر) للمستهلكين كما ينصح الذين لديهم حيوانات لانتاج الحليب بتسخين الحليب الى قرب درجة الغليان وذلك لقتل الميكروبات الممرضة التي قد توجد في الحليب الخام.
ويحتوي الحليب المبستر كامل الدسم على 3% دهن فقط وهو بالتالي من المواد الغذائية ذات نسبة دهون منخفضة مقارنة باللحوم والبقوليات والمكسرات والحبوب الكاملة كما ان الحليب المبستر قليل الدسم يحتوي على ما بين 1- 2% دهن فقط والحليب المبستر منزوع الدسم خالٍ تقريباً من الدهون حيث يحتوي على اقل من 0.5% دهن ويحتوي الحليب على الكوليسترول ولكن بكميات قليلة نسبياً 14ملجم/100مل حليب كامل الدسم مقارنة بالبيض الذي تحتوي البيضة الواحدة منه على 230ملجم وهو اقل من اللحوم ايضاً في محتواه من الكوليسترول والحليب قليل الدسم يحتوي على 7ملجم كولسترول/100مل حليب في حين ان الحليب المبستر منزوع الدسم يعتبر خالياً من الكوليسترول كما اوضحت كثير من الدراسات ان استهلاك الحليب ومنتجاته - قليلة او منزوعة الدسم - تؤدي الى خفض نسبة الكوليسترول في الدم.
اعتقادات خاطئة:
-يعتقد البعض ان الحليب لا يناسبهم ويسبب لهم حساسية، والحقيقة ان هذه المشكلة تحدث لنسبة بسيطة جداً من الأطفال بنسبة (2% تقريبا) حيث يكون لدى هؤلاء الأطفال حساسية لبروتين حليب الأبقار وتكون هذه المشكلة عادة خلال السنة الأولى من العمر وتنتهي لدى 50% منهم بعد السنة الأولى ويتخلص 90% منهم من هذه المشكلة عند السنة الثالثة وعادة لا تكون موجودة بعد سن الطفولة.
-يعتقد البعض ان الحليب يسبب لهم مشاكل في الجهاز الهضمي وهذه المشكلة هي عدم القدرة على هضم سكر الحليب (اللاكتوز) وهذه المشكة تكون نسبية حيث ان هؤلاء يستطيعون هضم كميات قليلة من اللاكتوز ولكن اذا تناولوا كميات كبيرة من الحليب تظهر لديهم هذه المشكلة والتي من اعراضها الإسهال والغازات عند تناول الحليب والحل لهؤلاء الأشخاص هو اما ان يتناولوا الحليب بكميات قليلة خلال اليوم (نصف كأس كل مرة) او ان يتناولوا منتجات الحليب التي تحتوي على كميات قليلة من سكر الحليب مثل اللبن والزبادي او التي لا تحتوي على اي سكر مثل الأجبان.
-يعتقد البعض ان تناول الحليب او اللبن وغيرها من منتجات الحليب تتعارض مع تناول اغذية اخرى وان تناولها مع بعض الأغذية مثل السمك يؤدي الى مشاكل في الهضم او الحساسية وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق فيمكن تناول الحليب او اللبن مع اي غذاء آخر، بل ان استفادة الجسم من بعض الأغذية النباتية مثل الحبوب تزداد عند تناولها مع الحليب او منتجاته فتناول حبوب الإفطار مع الحليب صباحاً يعتبر وجبة متزنة.
ولسكر الحليب فوائد غذائية وصحية كثيرة منها انه مكون من اللاكتوز ولا يوجد اللاكتوز الا في الحليب وهو يمتاز عن السكريات الاخرى بعدة صفات، فبالإضافة الى انه مصدر للطاقة فإن احد مكوناته وهو سكر الجلاكتوز يعتبر مركباً مهماً في تكوين الدهون والأنسجة العصبية وهو بالتالي مهم في نمو الجهاز العصبي للجنين والأطفال، كما يشجع وجود اللاكتوز في الأمعاء الغليظة نمو البكتريا المفيدة التي تنتج حمض اللبن وهو بالتالي يقلل من نمو الميكروبات الضارة كما يشجع حركة الأمعاء للتخلص من الفضلات واللاكتوز ايضاً يزيد من استفادة الجسم من الكالسيوم والفوسفور والدهون في الحليب. والحليب مصدر اساسي للكالسيوم وتختلف احتياجات الإنسان من الكالسيوم حسب العمر والجنس: فالأطفال من سنة الى 10سنوات يحتاجون الى 350- 550ملجم وهو في كأسي من الحليب، والأولاد من 11- 18سنة يحتاجون الى 1000ملجم وهي في اربعة كؤوس من الحليب، اما البنات من 11- 18سنة فيحتاجون الى 800ملجم وهي في ثلاثة كؤوس ونصف من الحليب تقريباً والكبار من 19سنة وأكبر يحتاجون الى 700ملجم وهي في ثلاثة كؤوس حليب.
وخلال فترة الحمل والرضاعة يزداد احتياج المرأة من الكالسيوم بمقدار 550ملجم (كأسين اضافيين من الحليب).
اذا لم تتناول المرأة الحامل او المرضعة الكميات المطلوبة من الكالسيوم لجسمها ولطفلها فإن جسمها يستخدم المخزون لديها من الكالسيوم الموجود في العظام واذا كان المخزون لديها قليلاً بسبب عدم تناول الكميات الكافية قبل الحمل قد تتعرض لنقص الكالسيوم في العظام وبالتالي الى مرض هشاشة العظام لذلك ننصح الحامل والمرضعة بتناول الكمية الكافية من الحليب.
وبعد فإن الحليب (اللبن) ليس غذاء فقط بل هو غذاء وأكثر.